حال السلف في التبكير إلى الصلاة
حال السلف في التبكير إلى الصلاة
هاني الشيخ جمعة سهل (*)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بسم الله الرحمن الرحيم
بون شاسع وفرق كبير يظهر للمتأمل المقارن بين ما عليه أحوال السلف من
التبكير إلى الصلاة ، والحرص على إدراك تكبيرة الإحرام والصف الأول ، بل
ومجيئهم إلى الصلاة قبل سماع الأذان ، وما عليه حالنا اليوم من التأخر في
الصلوات والتثاقل عن القيام إليها والتكاسل في التبكير إلى الصف الأول ، بل
وفوات كثير من الصلوات جماعةً ، لا لسبب سوى التراخي والتسويف والكسل وعدم
إدراك فضيلة التبكير إلى الصلاة .
من هنا كانت هذه الكلمات ؛ لندرك من خلالها فضل التبكير إلى الصلاة ، وحال السلف في ذلك ، لعلها تحرك ساكن النفوس وتبعث الهمم .
التبكير إلى الصلاة والمبادرة إلى المسجد وانتظار إقامة الصلاة والاشتغال
بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة ومن أعظم الخيرات ، وهو دليل
على تعظيم الصلاة وتعلق القلب بالمسجد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ...) [رواه البخاري] والتهجير :
التبكير إلى الصلاة
وللتبكير إلى الصلاة فوائد ، منها :
1- أن منتظر الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها ، قال عليه الصلاة والسلام
(لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله
إلا الصلاة) [متفق عليه]
2- أن الذي ينتظر الصلاة تصلّي عليه
الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم يحدث أو يؤذِ ،
قال عليه الصلاة والسلام ( الملائكة تصلّي على أحدكم مادام في مصلاّه ما لم
يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه) متفق عليه . وفي رواية للبخاري (ما لم
يحدث فيه وما لم يؤذ فيه)
3- أن انتظار الصلاة بعد الصلاة سبب في
محو الخطايا ورفع الدرجات وهو من الرباط ، قال عليه الصلاة والسلام : (ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات)؟ قالوا : بلى يا رسول
الله ، قال : (إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ،
وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط) [رواه مسلم] .
4- أن في التبكير إلى المسجد ضمان لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة
المنفرد بسبع وعشرين درجة كما في حديث ابن عمر المتفق عليه .
5-
أن المبكّر إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام ، وقد قال عليه
الصلاة والسلام : (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى
كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق) [ رواه الترمذي ،
وحسنه ابن مفلح و الألباني] .
6- أن المبكر إلى الصلاة يدرك الصف
الأول ، الذي قال عنه _صلى الله عليه وسلم _ : (لو يعلم الناس ما في النداء
والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) [متفق عليه] .
وقوله (يستهموا) أي يضربوا قرعة .
وقال عليه الصلاة والسلام : (خير
صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها) [رواه مسلم] . وقال أيضا (إن الله
وملائكته يصلون على الصف المقدّم) [رواه النسائي] ، ورواه ابن ماجه بلفظ
(الصف الأول) وصححه الألباني ، وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر للصف
المقدّم ثلاثا وللثاني مرّة ، [رواه أحمد وصححه الألبانيٍ]
7-
إدراك ميمنة الصفّ ، وقد قال عليه الصلاة والسلام (إن الله وملائكته يصلون
على ميامين الصفوف) [رواه أبو داود ، وحسنه ابن حجر في الفتح]
8- إن المبكر إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان والإقامة والسنن الرواتب القبلية
9- أن المبادرة إلى الصلاة دليل على تعلّق القلب بالمسجد ، وقد قال عليه
الصلاة والسلام : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ، فذكر
منهم: ورجل معلّق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) [متفق عليه
واللفظ لمسلم] .
10- أن التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة سبب في حضور القلب في الصلاة وإقبال المرء على صلاته وخشوعه فيها
11- أن المبكر إلى الصلاة يتمكن من الدعاء بين الأذان والإقامة فكل دعاء
بينهما مستجاب ، كما يتمكن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء في وقت الفجر
والمغرب .
12- أن من يأتي مبكراً يحضر إلى الصلاة بسكينة ووقار ،
فيكون ممتثلاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف المتأخر فإنه غالبا
يأتي مسرعاً مستعجلاً
هذه بعض فوائد التبكير إلى الصلاة ، والتي أدركها سلفنا الصالح فكانوا يبادرون إلى الصف الأول وإدارك التكبيرة الأولى
وهاك أخي الفاضل صوراً من حرص سلفنا الصالح على التبكير إلى الصلوات :
قال ربيعة بن يزيد : ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا [السير 5/240]
وقال يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد : إنه لم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة [السير 9/181]
وقال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة [وفيات الأعيان 2/375]
ونقل ابن سعد عنه أنه قال: ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة [الطبقات 5/131]
وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى [تذكرة الحفاظ 1/154]
وبعض السلف لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام إلا في يوم واحد منذ أربعين
سنة ولعذر ، فقد قال ابن سماعة : مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة
الأولى إلا يوم ماتت أمي [السير 10/646]
وعن استعدادهم للصلاة :
قال عدي بن حاتم : ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا إليها بالأشواق، وما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا لها مستعد [الزهد/249]
وذكر الحافظ الذهبي عنه أنه قال: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء [السير 3/164]
وقال سفيان بن عيينة: إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة [صفة الصفوة 2/235]
وهذا إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة المحدثين الثقات من أصحاب عطاء
بن أبي رباح، وكانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة ، قال ابن معين: (كان
إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردّها) [تهذيب التهذيب1/151]
وقد حث
سفيان بن عيينة على السير إلى الصلاة حتى قبل النداء فقال: لا تكن مثل عبد
السوء لا يأتي حتى يدعى ائت الصلاة قبل النداء [التبصرة 1/137]
وإذا
كان هذا ما عرفناه من اهتمامهم بالصلاة وبتكبيرة الإحرام خصوصًا، فلا غرابة
إذا قال إبراهيم النخعي: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل
يديك منه [صفة الصفوة 3/88]
*
هذه بعض الصور من حرص أولئك السلف على التبكير إلى الصلاة وإدراك التكبيرة
الأولى ، فكيف كانت أحوالهم إذا فاتت أحداً منهم صلاة الجماعة مع شدة
عنايتهم بها واستعدادهم لها ؟
قال قاضي الشام سليمان بن حمزة
المقدسي: لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط، مع أنه
قارب التسعين [ذيل طبقات الحنابلة 2/365]
وكانوا يتألمون لفوات هذا الخير العظيم والأجر الجزيل
قال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى [تذكرة الحفاظ 1/219]
ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئًا من أمور الدنيا التي أصبحنا نلهث
وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجلها، فقد أتى ميمون بن مهران المسجد فقيل
له: إن الناس قد انصرفوا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة
أحب إلي من ولاية العراق [مكاشفة القلوب/364]
قال يونس بن عبد الله: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا أجد لها ؟!! [صفة الصفوة 3/307]
وقال حاتم الأصم قال: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري
وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند
الناس من مصيبة الدنيا [مكاشفة القلوب/364]
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل التبكير والصفوف الأولى وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل